مدينة الجن

مدينة الجن . . ديرنكويو

مقدمة :

هي إحدى الاكتشافات الأثرية التي وقف العلم مشدوها أمامها ، قلب كل نظريات الفن والعمارة وحتى الجيولوجيا ، فما وجد لها مثيلا ، نعم فهذه التحفة الهندسية لم يصنعها إلا إيمان النساك وخيال المحبين ، ثمرة الإبداع اللامحدود في الإنسان الأول ، فكانت  ديرنكويو ، كنز كابادوكيا ، أمان الخائفين وطمأنينة الهاربين .

موقع ديرنكويو :

ديرنكويو " derinkuyu  "  هي بلدة محفورة في تشكيل جيولوجي تحت الأرض ، تقع وسط منطقة اسطنبول في تركيا وتتبع محافظة نوشهر ، وقد حفرت البلدة بشكل مستويات متدرجة تصل حتى عمق 85 مترا تحت سطح الأرض ، وتؤمن المدينة لقاطنيها كل ما تستلزمه معيشتهم ولسنين طوال ، ففيها غرف للسكن ومستودعات لتخزين المؤن وحظائر للمواشي وغيرها .

أصل التسمية :

جاء اسم المدينة من تكوينها الجيولوجي وبنائها الهندسي ، فهي مدينة تحت الأرض ، لذا كان اسمها ديرنكويو وتعني البئر العميق ، إلا أن لها اسما أخرا في الموروث الشعبي في تركيا ، وهو مدينة الجن ، ويعود ذلك لاعتقاد أهل المنطقة بأن الجن هم من بنوها ، فهم يشكون في قدرة الإنسان القديم على بناء هذه التحفة المعمارية الفريدة .

سبب  بناء ديرنكويو :

كان الاحتماء من خطر الأعداء وهجماتهم المتكررة السبب الرئيسي وراء بناء ديرنكويو ، حيث قام سكان المنطقة الكابادوكيون  بحفر ملاجئ لهم تحت الأرض ، ساعدهم على ذلك التشكيل الجيولوجي للمنطقة المشكل من الصخور البركانية اللينة ، ولعلم أهل المنطقة بأن الخطر أو الحصار قد يدوم سنينا طوالا ، فقد عملوا على جعل هذه المخابئ ضخمة تتسع لهم ولمؤونتهم ومواشيهم وكل ما تتطلبه سبل حياتهم ، وبهذا الشكل أصبحت تلك الملاجئ مدينة كاملة مكتفية بذاتها ، وتم تجهيزها بأعمدة هوائية وقنوات مائية ، وتصل المدينة بسطح الأرض أنفاق تم إغلاقهم  بأبواب حجرية مستديرة .

تاريخ ديرنكويو :

توجد عدة نظريات حول تاريخ بناء المدينة ، فبعضها يقول أنها تعود إلى سنة 800 قبل الميلاد وهي من بناء شعب بهريغيانس ، فيما تربط نظرية أخرى المدينة بالحيثيين وبنائهم لها قبل ألف عام من الميلاد ، فيما يرجح بعض الباحثين وعلماء الاثار أن الملك الفارسي YIMA  هو من بناها ، وفي كل الأحوال فالمدينة غارقة في القدم ، ويرجح أنها كانت قيد الاستخدام منذ العصر البيزنطي وحتى الفتح العثماني .

بناء مدينة ديرنكويو :

الهندسة الدقيقة في تصميم ديرنكويو ، بالإضافة إلى البراعة اللامتناهية في تشييدها ، جعل المدينة عصية على أي كارثة طبيعة أن تؤثر في بنائها ، فبرغم تاريخها الموغل في القدم ، لم يحدث أن انهار أيّ من الممرات أو انسد أيّ من الطرق المؤدية إليها ، ويرجع  المهندسون سبب ذلك إلى الطريقة التي بنيت فيها المدينة ، فقد حفرت في الصخور البركانية اللينة ، كما استخدمت الأعمدة القاسية القادرة على تحمل ضغط الطبقات الأرضية التي تعلوها ، ولعل طريقة البناء هذه هي من حيرت المهندسين وعلماء الاثار ، فكيف بمقدور الإنسان القديم أن يبني هكذا مدينة بهذا المستوى من الروعة والإتقان ، وهو الذي لم يستخدم إلا الأدوات البدائية في البناء ، وهذا ما يرجعنا إلى سبب تسميتها بمدينة الجن .

مدينة ديرنكويو من الداخل : 

تقدر مساحة المدينة بـ 460 ألف متر مربع ، وتتسع لحوالي 20 ألف نسمة ، فهي مدينة ضخمة مشكلة من 13 طبقة بدءا من سطح الأرض ، وتضم المدينة أماكن معيشة ومطابخا ومصانع نبيذ ومصليات وسلالم ومعاصر بذر الكتان لإنتاج زيت المصابيح المستخدمة لإضاءة المدينة تحت الأرض ، كما انها تضم كنيسة بارتفاع 3 أمتار ، وقد جهزت المدينة بحوالي 15 ألف فتحة تهوية ، و آبارها لتأمين مياه الشرب بلغ عددها 50 بئراً ، ولا تملك المدينة مدخلاً واحداً فحسب ، بل لها عدّة منافذ بشكل أنفاق تصل إلى سطح الأرض .

اكتشاف مدينة ديرنكويو :

اكتشفت مدينة ديرنكويو أثناء العمل في مشروع هدم وترميم المنازل حول قلعة كابادوكيا ،  حيث اكتشف العمال أثناء قيامها بعمليات الهدم ، اكتشفوا مداخلا لشبكة من الغرف والأنفاق ، ونتيجة لذلك ، تم إيقاف المشروع والبدء بعمليات البحث والتنقيب الأثري .

خاتمة :

تشهد بلدة ديرنكويو منذ اكتشافها عام 2013 م وحتى اليوم ، نموا متسارعا في عدد الوفود السياحية ، ومن كافة بلدان العالم ، حيث يقصدونها لمشاهدة هذه التحفة المعمارية الفريدة ، وللتمتع كذلك بطقس المنطقة المعتدل وجمال الطبيعة فيها ، وتتوفر في المنطقة كافة المرافق السياحية من الفنادق والمطاعم والمقاهي والتي تلبي رغبات السياح ،  وتقدم لهم أعلى مستوى من الراحة والرفاهية .